الارشيف / عرب وعالم

كيف تحولت المقاهي الثقافية في دمشق إلى مطاعم خمس نجوم؟

  • 1/3
  • 2/3
  • 3/3

محمد الرخا - دبي - الثلاثاء 30 أبريل 2024 09:12 مساءً - تاريخ النشر: 

30 أبريل 2024, 5:27 م

"بات ربح المقاهي هو المقياس، والمال لا يأتي عن طريق المثقفين"

انقلب حال المقاهي الثقافية في دمشق، خلال سنوات الحرب، فالأماكن التي كانت مسرحاً للحوار بشأن الفنون والحداثة، صارت أسعارها خمس نجوم. كما غيّر بعضها اختصاصه، فبات يركز على تقديم "الأراكيل" وعرض مباريات كرة القدم للجمهور المحتشد، إضافة إلى لعبة الورق وطاولة الزهر.

واشتهرت دمشق بالعديد من المقاهي التاريخية، مثل "الهافانا"، و"الكمال" و"البرازيل"، و"أبو شفيق"، و"الشرق الأوسط"، وكان يجتمع فيها السياسيون والشعراء، ويحرص على زيارتها العرب عند القدوم إلى سوريا.

تراجع الثقافة

يربط المخرج السينمائي محمد سمير طحان تراجع المقاهي الثقافية بما تعانيه الثقافة في هذه المرحلة من صعوبات، ويقول لـ"الخليج 365": "اضمحلال جمهور الثقافة اضطر المقاهي لإلغاء حرصها على استقبال المثقفين ومراعاة أوضاعهم المالية، فالدارج عند شباب اليوم يختلف عما كان عند الأجيال السابقة. وبات ربح المقاهي هو المقياس، والمال لا يأتي عن طريق المثقفين".

ويؤيد المخرج المسرحي مأمون الخطيب موضوع تأثير الوضع الاقتصادي الصعب على حال المقاهي الثقافية، ويضيف لـ"الخليج 365": "المثقفون يعانون من قلة الدخل، ولا يمكنهم اليوم دفع ثمن فنجان قهوة يتجاوز سعره 15 ألف ليرة، بشكل يومي. ويفضّل معظمهم أن يستقبلوا ضيوفهم من الكتاب والشعراء في المنزل؛ اقتصاداً في التكاليف".

ويرى الخطيب أن التطورات التكنولوجية الحديثة تسبّبت بنوع من العزلة الاجتماعية، فالمقاهي كانت المكان الأساسي للقاء الشعراء والفنانين، أما اليوم، فيمكنهم التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي في ظل ضعف القدرة المالية.

"أثّرت الحرب كثيراً على اجتماع المثقفين في المقاهي، وصارت هناك صعوبات على صعيد المواصلات"

من مقاهٍ شعبية.. إلى مطاعم فارهة

وتبدل حال أشهر المقاهي الشعبية في منطقة الربوة بدمشق، مثل مقهى "أبو شفيق"؛ المقهى المفضل للشاعر محمد الماغوط، بالقرب من نهر بردى، بعد أن تحول إلى مطعم فاره يعجز المثقفون عن ارتياده.

كما شهد مقهى "الروضة"، المكان المفضل لاجتماع الكتّاب، ارتفاعاً في الأسعار لا يمكن للمثقفين تحمله، فتكلفة فنجان القهوة الواحد مع الماء تجاوزت 20 ألف ليرة، وهو مبلغ ثقيل على المهتمين بالفنون.

يقول الشاعر علي الراعي، لـ"الخليج 365": "تدهورت المقاهي الثقافية منذ عام 2015، مع سوء الوضع الاقتصادي، فلم يعد يستطيع أيُّ اثنين من المثقفين الاجتماع في المقهى، ودفع فاتورة فنجاني قهوة".

ويضيف الراعي أسباباً أخرى تتعلق بغياب الوعي الثقافي عند أصحاب بعض المقاهي التاريخية : "الكثيرون ممن ورثوا تلك المقاهي، أو اشتروها، لم يسمعوا بالشاعر محمد الماغوط ولا زكريا تامر، أو نزار قباني، فهم أصحاب مشاريع تجارية فقط".

من مقاهي الشام متداول

ويعتقد الراعي أنه حتى من الوجهة السياحية، يعتبر الموضوع الثقافي مربحاً إذا أُحسن استخدامه، ويقول: "لنتخيل أن مقهى أبو شفيق احتفظ للآن بكرسي الماغوط وطاولته حيث كان يكتب الشعر، فلا شك سيستقطب الكثير من الزوار".

مقاهٍ ثقافية أهلية

ودرجت خلال الحرب المقاهي الثقافية الأهلية؛ إذ يتفق المشرفون عليها مع أصحاب المقاهي لإقامة النشاطات بشكل أسبوعي، مقابل أسعار معتدلة، لكن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية توقفت تلك اللقاءات الأهلية عن العمل؛ بسبب الغلاء.

كما تدخلت أجهزة الرقابة أحياناً، فوضعت حداً لنشاطات بعض المقاهي الثقافية، فتوقفت عن العمل بشكل نهائي.

ويضيف الشاعر علي الراعي: "اشتُهرت عدة مدن بالمقاهي الثقافية الأهلية، مثل قصيدة نثر، وجدل بيزنطي، ونزل السرور، وناي في اللاذقية، لكنها خفتت ثم توقفت بسبب منعها من قبل الرقابة".

اجتماع المثقفين

اجتماع المثقفين متداول

ويقول المخرج محمد سمير طحان: "أثرت الحرب كثيراً على اجتماع المثقفين في المقاهي، وصارت هناك صعوبات على صعيد المواصلات وارتفاع حدة الأحداث".

مستثمرون وليسوا مثقفين

ويحمّل المخرج مأمون الخطيب المستثمرينَ مسؤولية تراجع المقاهي الثقافية وتبديل هويتها إلى مشاريع تجارية، ويوضح: "هجر المستثمر المكان إلى استثمار أضمن مع جيل مختلف في التوجهات والاهتمامات، أو أغلق محله وهاجر إلى الخارج بسبب الأزمة وقسوة الظروف".

ويضيف الخطيب: "ليس هناك حل لتلاشي المقاهي الثقافية، سوى ضمان حصول المثقف على بعض الحقوق المادية التي تؤهله لارتياد أمكنة بديلة، أو العودة إلى المقاهي القديمة".

ويرى الخطيب أن طقوس اجتماع المثقفين اختلفت، في ظل التطور التكنولوجي ونشوء حالة من العزلة الاجتماعية، كرستها الأوضاع الاقتصادية التي أثرت أيضاً على حضور النشاطات الثقافية، مثل السينما والمسرح؛ فالثقافة كلها صارت مأزومة.

أخبار ذات صلة

الباصات الكهربائية تستعد لغزو شوارع دمشق

ويصر المخرج طحان على أهمية وجود المقاهي الثقافية، وضرورة البحث عن بدائل؛ من أجل تفاعل المثقفين وتبادل الخبرات. ويقول: "غابت الصالونات الثقافية القديمة، ولحقت بها المقاهي الثقافية، والنشاطات الفنية. وهذا يعود إلى النمط الاستهلاكي الذي بدأ يسود حياتنا ويسيطر عليها. لا بد للاتحادات والنقابات أن توفر أمكنة للمثقفين؛ لأن الاجتماع والحوار يطور الحالة الإبداعية".

المنازل تتحول إلى مقاهٍ ثقافية

ولجأ بعض المثقفين إلى تحويل منازلهم لأمكنة تستضيف المهتمين بالشعر والأدب وبقية أنواع الفنون، بشكل أسبوعي أو شهري. واعتمد هذا الخيار الفنانون التشكيليون الذين يمتلكون عادةً مراسمَ ومشاغلَ ينجزون فيها أعمالهم.

وأصبحت صالات "الغاليري"، التي تستقبل معارض الرسم والنحت عادةً، مكاناً يلتقي فيه المثقفون طيلة عشرة أيام من استمرار المعرض، مثل صالة "عشتار" للفنان عصام درويش، وصالة ألف نون للفنان بديع جحجاح.

كما دخلت مراسم الفنانين، ومشاغل النحاتين، على خط المقاهي الثقافية، وصار من الطبيعي اجتماع المثقفين في مرسم الفنان نبيل السمان، ومرسم الفنان إسماعيل نصرة، ومشغل النحات غازي عانا، والنحات مصطفى علي.

يقول الشاعر علي الراعي: "الثقافة هي أكثر المتضررين في الحرب والحالة الاقتصادية وأزمة الخدمات؛ فهي بضاعة غير مربحة بالنسبة للتجار، وليست مشجعة بالنسبة للجيل الجديد".

ومن طرائف اللقاءات الثقافية الأهلية، اضطرار المثقفين للاجتماع على ضوء الشموع بسبب انقطاع الكهرباء، أو قيام كل مدعو بحمل ضيافته معه إلى الملتقى؛ حتى لا يشكّل عبئاً على المستضيف.

Advertisements