الارشيف / عرب وعالم

صلاح السعدني.. "العمدة" الذي جسد هموم المثقفين على الشاشة

محمد الرخا - دبي - الجمعة 19 أبريل 2024 03:03 مساءً - "لو لم يكن صلاح السعدني فناناً كبيراً جدًّا، لكان له من إنسانيته وطيبة قلبه ورقة عواطفه ما يجعله إنساناً رائعاً، ولكان له من ثقافته ومتابعته للحركة الفكرية والأدبية ما يجعله مثالاً رائعاً نجيباً بين أبناء هذا الجيل، حتى لو لم يكن هو الفنان الكبير المعروف لكل الناس باسم العمدة أو حسن أرابيسك".

تعد هذه الشهادة التي كتبها الناقد والمؤرخ الكبير رجاء النقاش مدخلا لفهم تجربة الفنان المصري صلاح السعدني الذي رحل عن عالمنا اليوم، بعد رحلة حافلة في السينما والمسرح والدراما التلفزيونية.

جمع السعدني بين توحش الموهبة ومدرسة الأداء التلقائي الصادق من ناحية وبين حساسية المثقف الذي يختار أدوراه بعناية من ناحية أخرى، لتعكس هموم النخبة في بلاده والمشغولة بقضايا من نوعية تحول القيم وسيادة نمط استهلاكي معين وتزييف الوعي الجمعي، لكن هذه الوعي الثقافي لديه لم يجعله يعيش في برج عاجي أو ينفصل عن الناس.

تعامَل مع التمثيل باعتباره "أداة ثورية" لتغيير المجتمع نحو الأفضل وتحقيق قيم "الحق والخير والجمال" وهو ما انعكس في خياراته مثل دور "الأسطى حسن" في مسلسل "أرابيسك"، الذي يجسد "مفهوم الأصالة" في مواجهة "مفاهيم الجشع" العابر للقيم، كما عكس مأزق الاستبداد الناعم في مواجهة أحلام البسطاء في مسرحية "الملك هو الملك"، وأبدع في تقديم شخصية مدرّس التاريخ الذي يحافظ على الهوية الوطنية في مواجهة "لصوص الآثار والماضي والمستقبل" في مسلسل "حلم الجنوبي". وشارك في فيلم "الغول" مع فريد شوقي وعادل إمام ونيللي، حيث كان دوره يتمثل في صحفي ثائر على منظومة الفساد التي يحركها رجل أعمال ثري.

ويشرح "السعدني" فلسفته في التمثيل ورؤيته الفكرية لمهنته، قائلا: "أؤمن بأنّ للفن وظيفة اجتماعية، وأعي تماماً هذا الدور، وبالتالي فإن اختياراتي نابعة من هذا الوعي، فأنا لست أراجوزا ولا مهرجاً في سيرك، صحيح أن هناك من ينظر إلى الفن على أنه مجرد (أكل عيش)، ولكن هؤلاء نسبة قليلة جدًّا".

ونشأ السعدني في أسرة مثقفة، إذ إن شقيقه الأكبر هو أحد أشهر الكتاب الساخرين العرب في القرن العشرين وهو الكاتب محمود السعدني، كما ساعدته أصوله الريفية على إجادة لهجة الفلاحين في دور "العمدة سليمان غانم" في مسلسل "ليالي الحلمية" الذي أنجزه بمقاييس قياسية مذهلة حجزت له مقعده الخالد بين عباقرة فن التمثيل في مصر، كما تعامل الفنان الراحل مع "أسطوات" التأليف الدرامي أصحاب الرؤى الفكرية المميزة في مصر مثل أسامه أنور عكاشة، ومحمد صفاء عامر، ووحيد حامد.

Advertisements