محمد الرخا - دبي - الثلاثاء 9 أبريل 2024 11:13 صباحاً - بدأت مسلسلات رمضان بحزم الحقائب. فالكرنفال انتهى، وسيعود الجميع إلى منازلهم، مع غنائم التريندات والمدائح المجانية والمحاباة. ولن يحاول أحد وضع الإصبع على الجرح، حتى لا يشفى، وليبقَ قابلاً للفتح، العام القادم.
عدة ملايين من المنشورات، أحصيناها على مواقع السوشال ميديا ومنابر وسائل الإعلام والصفحات الشخصية، لا تختلف كثيرًا عن منشورات الموسم الماضي، أو الذي سبقه، مع تعديل بسيط في الأسماء والتواريخ.
البضاعة نفسها، سيسعفنا في نبشها الأرشيف في موسم 2023، والذي يقول: "117 مسلسلًا عربيًّا بشخصيات معقدة بلا هوية.. دراما النعرات الدينية والعنصرية.. تشويه لمجتمع يبحث عن ذاته.." وغير ذلك كثير مما تم ترحيله إلى موسم 2024.
لماذا لم يحرك، هذا الكم الهائل من النقد، تلك المياه الراكدة في بحيرات الدراما؟.
يقول الكاتب سامر محمد إسماعيل، لـ"الخليج 365": "إن ما يجري طبيعي، فالتلفزيون لا يمكن أن يصبح "ديوان العرب"، ولا يجب أن نحمّله أكثر مما يقدر".
ويضيف إسماعيل: "لدينا أزمة في كل عناصر العمل الدرامي. فمعظم الكتاب جاؤوا إلى السيناريو بلا رصيد أو مشروع ثقافي وجمالي. المنتجون محكومون بالتسويق والربح، والمخرجون مع الممثلين مضطرون للتعامل مع الأمر كموظفين".
ويؤكد الجميع، أن صاحب رأس المال، لن يدفع لإنتاج المسلسل، إلا إذا تأكد من ضمان الربح، وهذا يحتم على صناع الدراما التركيز على الإثارة والتسلية على حساب التنوير.
إذا كان الوضع كذلك، فإن مهمة التغيير، تبدو صعبة جدًّا. فالمشكلة ليست في عدم اتخاذ قرار التغيير، بل في غياب القادرين على القيام به.
وكان الناقد المصري محمود قاسم، كتب قبل أيام قائلًا: "الدراما المصرية كثيرة عددًا، لكنها تشبه أكوام القش، لا تملك قيمة غذائية".
ورغم الانتقادات المكررة، يستمر صناع الدراما التلفزيونية، بالطريقة نفسها، فلا أحد يريد تجريب بضاعة أكثر قيمة، قد تسبب خسارات في العائدات، وتلغي فرصهم مع محطات العرض.
هذا المشهد، دفع الناقدة العُمانية آمنة الربيع، لاتهام المخرجين بالاستهتار بعقلية المشاهد العربي، ولم تستثن الكتّاب، الذين وصفتهم في مقال نشرته جريدة "عمان" بعنوان "إحباط الدراما"، "بالمتاجرين بالأفكار الملقاة على قارعة الطريق كيفما اتفق".
وتشير آمنة الربيع، إلى تكرار النقد نفسه في كل موسم، بلا جدوى، وتضيف: "النقد يُعاد منذ عقود، ولا جديد يحدث على مستوى سياسات المؤسسات الرسمية، فلا الجهات المعنية بتطوّر الدراما تقدم طرحًا أو تدير نقاشًا هادفًا، وهي نفسها فتحت المجال لقطاع الشركات لتتدخل في إنتاج الدراما وفق نظام العرض والطلب".
وتؤكد بانوراما النقاد العرب خلال المواسم الرمضانية الماضية، تكرار الملاحظات السلبية ذاتها في معظم المنابر الإعلامية المهتمة بالدراما؛ ما دفع بالكاتبة الكويتية سعدية مفرح للقول: "الهراء السنوي الذي تقدّمه الشاشات العربية في رمضان، يحتم على المشاهد البحث عن أفضل السبل لحماية ذائقته".
وتضيف مفرح، في مقال نقدي نشره موقع "العربي الجديد"، أثناء الموسم الدرامي عام 2022، وينطبق تمامًا على موسم 2024: "أصبحت معظم الصناعة الدرامية في السنوات الأخيرة، سبيلاً للإثارة بهدف زيادة المشاهدات في المنصّات الباحثة عما يملأ فراغها الكبير، وبالتالي لا بدَّ من تفعيل آلية النقد القاسي ضد هذه الأعمال".
وتؤكد أن تعليقات الجمهور على منصات العرض، والمقالات النقدية في وسائل الإعلام، ومعها حوارات المنتجين والمخرجين والنجوم المنشورة جميعها خلال السنوات السابقة، ما زالت طازجة تصلح لتناول دراما الموسم الحالي، وكأنها مكتوبة اليوم!.
وقبل عدة أعوام، كتب الناقد العراقي نجيب ظلال، في موقع مجلة "بصرياثا" الثقافية الأدبي، مقالاً يصلح نشره الآن. يقول ظلال: "أصبحت الدراما تجارة، يتمظهر فيها البيع والشراء؛ ما يجعل الفنان والتقني والمخرج، سلعة تتحكم بها شركة الإنتاج/ رأسمال. صحيح أن جميع أنواع الإنتاج تحتاج اعتمادات مالية، لكن في الإبداع، لا مناص من أن يكون المال وسيلة لإنتاج رسالة فنية جادة وذات جودة".
مسلسلات رمضان بدأت بحزم الحقائب. لكنَّ سلالاً مليئة بالخراب تتجمع، وسيتم تخزينها داخل مستودعات، ليعاد تدويرها من جديد العام القادم. كأن هناك عطبًا هائلًا ألمَّ بالثقافة العربية!.