محمد الرخا - دبي - الجمعة 5 أبريل 2024 07:10 مساءً - تعتبر مملكة أوغاريت السورية واحدة من أهم المواقع الأثرية وأكثرها شهرة في العالم، إذ قدمت للعالم واحدة من أقدم الأبجديات المكتوبة في التاريخ التي تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد، وتُدرس حالياً في 40 جامعة في العالم.
كما صدَّرت للعالم أقدم القطع الموسيقية المدونة، والتي تعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد، أي أنها سبقت فيثاغورس بألف سنة كاملة، حيث اكتشفت عام 1950 وقام بفك رموزها الكاتب "ريتشارد دمبريل" صاحب كتاب "آثار علم الموسيقى في الشرق الأدنى القديم" الذي أكَّد أن أوغاريت هي المؤسس الحقيقي للموسيقى الغربية.
العثور على كتابة في أوغاريتمتداولة
36 أغنية مدونة حوالي عام 1400 قبل الميلاد أطلق عليها اسم "الأغاني الحرانية"، ويبدو أنها ألفت تضرعاً للآلهة، وإحداها وجدت بشكل شبه كامل على رُقُم طيني موجود في المتحف الوطني بدمشق، ما يجعلها أقرب مثال معروف للتدوين الموسيقي في العالم.
أسس الكنعانيون مملكة أوغاريت في العصر البرونزي الحديث، وكانت واحدة من أهم مدن الساحل الكنعاني التي تعتبر من أرقى أجزاء الشرق القديم، كانت أوغاريت في القرنين 15 و14 قبل الميلاد عاصمة لمملكة صغيرة، وتسميتها مأخوذة من أوغارو، أي الحقل في السومرية، كما تعني الأرض الخضراء أو المزرعة، وربما قصد بالتسمية القلعة المحاطة بجدار والتي كانت تمثل أوغاريت القديمة.
جانب من بقايا مملكة أوغاريتمتداولة
اكتشف موقع أوغاريت عام 1928 صدفةً عند اصطدام محراث فلاح سوري بمخلفات بنائية أثناء حراثته أرضه، وبدأت بعثة أثرية فرنسية عملها في التنقيب عام 1929، وأوضحت أن الجزء المكتشف من المملكة لا يتجاوز ربع المساحة الكلية للموقع، والكثير من الآثار المكتشفة نقلت إلى متحف اللوفر في باريس خلال الانتداب الفرنسي.
تدل الوثائق والنصوص الكتابية المكتشفة أن هذه المملكة كانت قد طوّرت حياةً اقتصادية وثقافية وإدارية مزدهرة نهاية عصر البرونز الحديث قبل أن تدمر نهائياً، حيث استفادت من موقعها الجغرافي لتصبح ملتقى طرق برية وبحرية بين الحضارات والممالك على نهر الفرات شرقاً، والعالم الإيجي وجزيرة كريت غرباً، ومصر جنوباً.
تُطل بقايا أوغاريت القديمة على البحر المتوسط من فوق تل أثري يدعى "رأس شمرا"، ويفسر البعض أن معنى هذا الاسم بالآرامية "الحراسة والمراقبة" لكونه عال وقريب من البحر.
بقايا آثار مملكة أوغاريتوكالة الأنباء السورية "سانا"
ينتصب التل الأثري للمدينة القديمة في أراضٍ زراعية تبلغ مساحتها 36 هكتاراً تقريباً، ومتوسط ارتفاعه عن سطح الأرض 17 متراً. والتل مقسم إلى خمس طبقات من الأعلى، كل طبقة مقسمة إلى أدوار عدة، وقد سكن هذا التل منذ العصر الحجري الحديث في الألف السابع قبل الميلاد حتى عصر البرونز الحديث، بعدما دُمرت أوغاريت في بداية القرن 12 قبل الميلاد.
وبجولة على معالم أوغاريت الآثارية نشاهد عند المدخل الحالي للمدينة الحصن وبابه السري، الذي يؤدي بدوره إلى الداخل عبر فتحة أُنشئت في جدار السور، وتطل على البرج الحصين، ومنه إلى حي القصور الذي يحتل القسم الشمالي الغربي من المدينة.
ما يبدو أنه قبر في مملكة أوغاريتمتداولة
يتصدر هذا الحي قصر كبير "القصر الملكي الغربي" يحيط به قصران، جنوبي وشمالي. ويعتبران من أهم مساكن الأمراء والملوك وأكثرهما شهرة في منطقة الشرق القديم. ويلاحظ إلى جانب ساحات القصر شمالاً المقبرة الملكية، التي تتكون من بعض الكهوف والسراديب الجنائزية.
وإلى الشرق من حي القصور حيٌ آخر يمتاز بمنازله الواسعة، التي تبدأ بمدخل يتبعه درج ورواق وأحياناً بئر ماء وحمامات موصولة بقنوات لمجاري المياه، ثم ساحة متصلة مباشرة مع المدخل وتتوزع حولها الغرف، ومن الملاحظ أن الموتى كانوا يدفنون في منازلهم ضمن سرداب للدفن له مدخل على شكل حفرة أو درج.
أمير أو أميرة من أوغاريتمتداولة
وفي الشمال، هنالك المدينة العليا المعروفة بالحيّ الديني "الأكروبول" والمشهور بمعبديه "بعل وداجان"، ويقع هذا القسم في الجزء الذي يعلو الأحياء السكنية الواقعة في الجهة الشمالية من المدينة. وفي القسم الشرقي للمدينة، سنشاهد حديقة القصر الملكي المتصلة برواق إلى الجنوب بمخازن القصر الملكي.
أما في الجهة الجنوبية، فتظهر ساحة يتوسطها حوض ماء تغذيه شبكة متشعبة من الأقنية. وقد اكتشف في قاعة مجاورة لهذه الساحة فرن لشيّ الرُقم الفخارية، التي سطرت عليها آلاف النصوص المسمارية مسلطة الأضواء على تاريخ المدينة وعلاقاتها واقتصادها وآدابها وآلهتها وغير ذلك.
العثور على "حلف القسم" في أوغاريتمتداولة
ومن المكتشفات في عمريت مجموعة كبيرة من المكتبات التي ضمت كتباً دينية وثقافية، ورسائل تجارية، ومعاجم متعددة للغات سومرية أكادية أوغاريتية، ونصوص أدبية ودينية وعلمية، كما عثر فيها على مقطع للأسطورة السومرية الشهيرة "جلجامش".
وهنالك فرضيتان حول نهاية أوغاريت عام 1180 قبل الميلاد بسبب كارثة لا تزال آثارها واضحة، خصوصاً في القصر الملكي، فإما أنه كان زلزالاً قوياً دمّر المدينة، أو غزواً خارجياً من قبل قوم عرفوا باسم شعوب البحر.