محمد الرخا - دبي - الخميس 4 أبريل 2024 11:14 صباحاً - مدينة نائية تقع في أقاصي الصحراء لتصنع جنة عزلتها، تنطق باللسان الأمازيغي والعربي معاـ متخذة شكل الواحة، بل هي أجمل واحات الصحراء الغربية في مصر والتي لا تبعد عن الحدود الليبية سوى 50 كيلومترًا فقط بينما تبعد عن القاهرة مئات الكيلومترات.
وإذ كانت تحظى بشهرة كبيرة كوجهة سياحية عالمية ومشتى رائع فإنّ وجهها التاريخي بارز الملامح، منحوت بإزميل التشويق والأسرار، يحكي قصة غموض بطلها أعظم القادة العسكريين قاطبة على مرّ التاريخ وهو الإسكندر الأكبر.
يغوص تاريخ "سيوة" عميقا في الطبقات البعيدة للزمن حيث آلاف السنين منقوشة على سعف النخيل والعيون الحارة وأشجار الزيتون والهضاب المرتفعة مئات الأمتار فوق سطح البحر المتوسط الذي تبعد عن ساحله بمسافة 300 كلم.
ظهرت نسخ متعددة من اسمها تاريخيًا بحسب كل حقبة زمنية، فعُرفت في العصور الفرعونية القديمة باسم "سيخت آم" بمعنى "أرض النخيل" كما سُمّيت بـ"واحة آمون" نسبة للمعبد الشهير هناك وهو الاسم الذي تطور على يد البطالمة ليصبح "واحة جويبتر آمون". أمّا العرب فعرفوها باسم "الواحة الأقصى" نظرًا لبعدها الشديد جغرافيًا ووردت في كتابات "ابن خلدون" باسم "تنسيوة" وهو اسم لفرع من قبائل "الزنتان" بشمال أفريقيا، في حين أطلق عليها "الإدريسي" اسم "سنترية" وقال إنه يسكنها قوم هم خليط من الأمازيغ والبدو.
زار الإسكندر الأكبر الواحة في عام 331 قبل الميلاد بعد أن فتح مصر، حيث أراد أن يقدم فروض الولاء والطاعة للإله آمون ويدشن نفسه باعتباره ابنا له. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف لم يجد أمامه بدا من زيارة "معبد آمون" في سيوة الذي يطلق عليه أيضًا "معبد التنبؤات" لأنّ الناس كانت تقصده لتسأل الكهنة عما يشغلهم من أمور يريدون معرفة نبوءة آمون حولها.
هدف الإسكندر من زيارة المعبد كان مزدوجًا، فقد أراد من ناحية أن يتقرّب للمصريين قبل تنصيب نفسه حاكمًا للبلاد كنوع من الذكاء السياسي لا سيّما بعد أن أهان ملك الفرس، المحتل السابق لمصر، آلهة المصريين وأثار غضبهم. ومن ناحية أخرى، أراد الإسكندر أن يحصل على نبوءة تتعلق بمستقبل مشروعه العسكري لغزو العالم.
دخل القائد المتوج على عرش المجد إلى "قدس الأقداس" وهي غرفة سرية في قلب المعبد لا يدخلها إلا الملك وكبير الكهنة ولم يتم السماح لحرسه الشخصي بمرافقته. ولا يعرف أحد حتى الآن بالضبط ما طبيعة ما دار في الغرفة أو ما قيل له على نحو دقيق، كل ما هنالك أنه خرج منشرح الصدر مستبشرًا وقال لرفقائه : سمعت ما أسعد قلبي، مؤكدا أنه لن يبوح بما دار لأن هذا سر وتعهد بعدم إفشائه.
وتشتهر المدينة بعدد من المزارات مثل العيون الكبريتية التاريخية كـ"عين كليوباترا" و"عين فطناس"، كما تضم عددا من البحيرات المالحة ومن أشهر آثارها "جبل الموتى" الذي يضم عددا من المقابر الأثرية التي يعود تاريخها إلى القرن الثالث قبل الميلاد ومقبرة "بانحوت" وهي مقبرة كاهن للإله أوزوريس.
وتعد قلعة "شالي" أحد أبرز مزارات المدينة وبنيت عام 1203م بهدف الدفاع عن الواحة التي ضَمن لها بُعدها الجغرافي نوعًا من الأمان النسبي في مواجهة الغزاة الذين كانوا يفضلون المدن والأنهار لكنهم كانوا يستهدفونها بين الحين والآخر رغم ذلك.