الارشيف / عرب وعالم

طريق الحرير.. رحلة البضائع والأفكار بين الشرق والغرب

محمد الرخا - دبي - الثلاثاء 2 أبريل 2024 05:22 مساءً - هو أشهر طرق التجارة ونقل البضائع عبر التاريخ، لكنه يتجاوز الهدف الاقتصادي التقليدي إلى آفاق أرحب تشمل الأفكار والثقافات ليتحول من مجرد درب يجتذب القوافل إلى صانع للحوار الحضاري بين الشرق والغرب في زمن مبكر من التاريخ الإنساني.

لم يكن طريق الحرير في الواقع طريقا واحدا بقدر ما كان شبكة من الطرق البرية والبحرية التي ربطت الصين بأوروبا بطول 12 ألف كيلومتر، مرورا بآسيا الوسطى والشرق الأوسط، وحوت الكثير من التقاليد، والعادات، والأديان، والعقائد، والأساطير، والقصص الغرائبية العجيبة.

واستمد الطريق اسمه من أشهر وأثمن سلعة راجت عبره وهى الحرير التي كان الجميع يتلهف عليها في رحلتها التي تمر منذ العام 200 قبل الميلاد بالهند ومصر قبل ان تصل إلى اليونان وروما وبريطانيا. وبلغت قيمة تلك السلعة مبلغا عظيما في العالم القديم إلى حد أنه كان يتم مقايضتها بما يماثل وزنها من الأحجار الكريمة، ووصلت مهارة الصينيين في صنعها وتطريزها إلى مستويات مذهلة منذ 3 آلاف عام قبل الميلاد، لتتحول من مجرد سلعة إلى شاهد عيان على حضارة عظيمة.

العرب على الخط

ودخل العرب بقوة على خط طريق الحرير في نسخته البحرية حيث كانت سفنهم تبحر من موانىء الخليج العربي واليمن، إلى موانىء غرب وجنوب الهند، حيث يلتقون هناك بنظرائهم من التجار الصينيين. وكانت البضائع الصينية والهندية تتركز بشكل أساسي، إلى جانب الحرير، في البخور، والعطور، والنحاس، واللبان، واللؤلؤ. وجر الازدهار الشديد والثراء الذي حققهما التجار العرب من وراء طريق الحرير عليهم نقمة وحسد جيرانهم الأقوياء. وأطلق الإمبراطور الروماني حملة عام 24 قبل الميلاد للاستيلاء على الجزيرة العربية والسطو على ما قالت الشائعات إنها ثروة ضخمة من الذهب والفضة راكمها العرب من تلك التجارة، إلا أن تلك الحملة باءت بالفشل.

ومن أكثر الديانات التي انتقلت عبر الطريق البوذية التي وجدت موطنا لها في آسيا، وكذلك الإسلام الذي انتشر في بلاد ما وراء النهر أي آسيا الوسطى، ولا سيما في حواضرها الزاهرة مثل سمرقند، وبخارى، وطشقند. وانتقل الورق من هنا أيضا ليفتتح مرحلة جديدة في الحضارة الإنسانية عنوانها التدوين، لكن البارود شكّل الوجه المظلم للطريق فدشن عصر الحروب المدمرة. وأدى الطريق إلى تراكم مخزون الصين من الذهب حتى أصبح بحلول القرن العاشر الميلادي يفوق كل ما تمتلكه القارة الأوربية من الذهب مجتمعة.

إحياء الطريق

ومثل كل حضارة عظيمة، تكوّن طريق الحرير من مرحلتي البزوغ، ثم القوة والازدهار، وأخيرا الضعف والنهاية. حدث هذا حين اشتعلت الحروب العربية المغولية بآسيا وقضت تدريجيا على معالم الطريق مع ظهور طرق بحرية آمنة وقادرة على المنافسة تنطلق بالبضائع من المحيط الهندي إلى شمال إفريقيا، مرورا بالبحر الأحمر، وتتسلمها القوافل البرية من موانىء السويس ودمياط في مصر. وكان هذا الطريق يدر أرباحا عالية على المماليك الذين حكموا مصر آنذاك. وظهر فيما بعد طريق الرجاء الصالح فانطفأ الخط الملاحي المصري، وانتعشت في المقابل موانىء البرتغال وإسبانيا، إلى أن تم افتتاح قناة السويس في نسختها القديمة عام 1869 لتصبح شريان التجارة والملاحة الأهم عالميا.

وأطلقت الصين مؤخرا مبادرة شاملة عرفت باسم "الحزام والطريق"، تستهدف إحياء طريق الحرير من خلال أكبر مشروع بنية تحتية يشهده العالم بمشاركة 123 دولة؛ من أجل تسريع وصول منتجات التنين الصيني إلى الأسواق العالمية.

Advertisements