الارشيف / عرب وعالم

"قرطبة".. العاصمة الذهبية للعرب ودرة تاج الأندلس

محمد الرخا - دبي - الأحد 31 مارس 2024 05:22 مساءً - إحدى أجمل مدن العالم التي تجمع بتوليفة خاصة بين الحداثة الأوروبية والإرث العربي حين كانت في وقت من الأوقات شاهد عيان، على سطوع شموس الأمويين والمرابطين والموحدين على الأندلس، قبل أن تغرب بعد قرون عديدة، ولا يتبقى من الحضارة التليدة سوى حديث الذكريات.

تقع قرطبة جنوبي إسبانيا على ضفاف نهر "الوادي الكبير" الذي يخترقها من شرقها إلى غربها مانحا إياها  جمالًا أخاذًا فضلًا عن سلسلة جبال "سييرا مورينا" والسهول الريفية الشاسعة التي تجعل منها لوحة بديعة خطتها ريشة الطبيعة.

اختلف الرواة  والمؤرخون في تفسير اسم المدينة وأصله، فمنهم من قال إنه فينيقي قرطاجني ويعني "المدينة الصالحة". ويذهب "البكري" في كتابه "المسالك والممالك" إلى أنه مفردة قوطية تنطق "قرظبة"، بحرف الظاء، وتعني "القلوب المختلفة"، بينما يرجح كثيرون أن الرومان هم أول من أطلقوا عليها هذا الاسم حين خضعت لسيطرتهم منذ 206 قبل الميلاد.

 ورغم أن المدينة ظلت رومانية الهوية، سبعة قرون إلا أنها لم تحتفظ بكثير من الآثار التي تدل على تلك الحقبة سوى الجسر الروماني " بوينتي رومانو" وأطلال أحد المعابد.

فتح العرب إسبانيا في إبريل من عام 711 م على يد قوات طارق بن زياد التي كانت تتكون من 7 آلاف جندي وانتصرت بسهولة على قوات القوطيين بقيادة الملك "رودريك " ولا يزال الموضع الذي نزلت فيه القوات العربية يحمل اسم " جبل طارق".

وعندما فر الأمير عبد الرحمن الداخل "صقر قريش" من حكم العباسيين في الشرق. وأسس لحكم الأمويين في الأندلس، تحولت قرطبة إلى عاصمة الحكم العربي ودرة التاج وحاضرة العلوم والمعارف والثقافات وهو ما يعرف بـ" العصر الذهبي"  في الفترة من 756 حتى 1031.

في تلك الفترة، ازدهرت حركة الترجمة عن الإغريقية إلى العربية، ومنها إلى أوروبا، كما انتشرت الحمامات العامة في المدينة. وشاعت فنون الموسيقى والغناء وانتعش الأدب وتنوعت مجالس العلم وظهرت بها أسماء خلدها التاريخ مثل الشاعر بن زيدون، والشاعرة ولادة بنت المستكفي، والإمام ابن حزم، والفيلسوف ابن رشد، والإمام القرطبي، وغيرهم من الأعلام البارزين.

روائع العمارة الإسلامية

ويرى كثير من  المؤرخين أن تلك الحقبة شهدت تقدما لافتا على مستوى التسامح الديني والتعايش بين أصحاب الديانات السماوية، فلم يضطر غير المسلمين إلى العيش في أحياء خاصة أو يُجبروا على اعتناق الإسلام  ومارسوا شعائرهم الإيمانية بحرية، وبرعوا في مهن بارزة مثل الصرافة وتجارة الذهب و الفضة.  

ويصف ياقوت الحموي في كتابه " معجم البلدان" نهضة المدينة، مشيرًا إلى أنه كان يستضيء الماشي بسراجها من على بعد عشرة أميال. وبلغ عدد سكانها حوالى المليون نسمة، بينما كانت أكبر مدينة في أوروبا لا يزيد سكانها على ربع مليون نسمة، وبلغ عدد قصورها 80 ألفًا. وكان فيها 170 امرأة كلهن يكتبن المصاحف بالخط الكوفي، وتحتوي المدينة على 50 مستشفى، وفيها 600 مسجد ومن أهم مساجدها مسجد قرطبة الذي "لم يوجد له مثيل أو نظير في الفخامة والزخرفة وروعة البنيان".

ولا يحمل وصف "الحموي" لمسجد قرطبة أية مبالغة، فهو يعد من روائع العمارة الإسلامية على مر التاريخ، وهو يجمع في أسلوب بنائه بين طراز المسجد الأموي في دمشق، والطراز الموريسكي المميز بالزخارف الهندسية والأرابيسك، فضلًا عن وجود أربع حدائق في فناء المبنى وتسمى " الرياض" تتخللها نوافير المياه .

ويقوم المسجد على 856 عمودًا من الجرانيت والعقيق وتزينه عشرات الأقواس بزخارفها البديعة.

Advertisements