الارشيف / عرب وعالم

الصويرة.. مرفأ سلطاني على الأطلسي (فيديو إرم)

محمد الرخا - دبي - الأحد 31 مارس 2024 10:10 صباحاً - تقع مدينة الصويرة على شبه جزيرة صخرية على ساحل المحيط الأطلسي وسط المغرب، وكأنها قطعة صخرية نحتتها "أنامل" التاريخ، يشهد على ذلك طابعها العمراني المميز الذي جعلها تسجل ضمن قائمة مواقع التراث العالمي لليونسكو عام 2001.

وزاد من ألق الصويرة، التي يقصدها زوار وسياح من نوع خاص، احتضانها لمهرجان موسيقى "غناوة" أو "كناوة" الأصيلة ذات الجذور الأفريقية، والذي تحول إلى أيقونة لهذه المدينة التاريخية على المستوى العالمي.

وتتميز الخصوصيات المعمارية للصويرة بتأثيرات هندسية أوروبية تظهر بالخصوص في "الصقالة" التي شُيّدت على أنقاض الحصن البرتغالي، وتحصينها بالمدافع، إلى جانب الأسوار المنيعة، وشوارع منتظمة بطراز معماري أندلسي جذاب.

وتشبه الصويرة مثيلاتها من المدن المغربية العتيقة التي تزخر بمبانيها التاريخية، وتتكون المدينة من ثلاثة أحياء مختلفة؛ القصبة وتضم الحي الإداري القديم، والمدينة العتيقة، ثم حي الملاح اليهودي الذي لعب دورا رئيسا في تاريخ المدينة تبعا لسياسة السلطان الذي اعتمد على اليهود لتحسين علاقاته مع أوروبا إلى أن جعل منهم "تجار الملك".

بناء وتأسيس الصويرة

ويعود تأسيس الصويرة إلى عام 1760 ميلادي، على يد السلطان محمد بن عبد الله، الذي تولى الحكم ما بين 1757 و1790 ميلادي؛ إذ وقف على تخطيطها وعمارتها، لجعلها قاعدة عسكرية برية وبحرية لحماية الشواطئ المغربية الجنوبية ومراقبة منطقتي "حاحا" و"سوس" المتمردتين.

يذكر المؤرخ أحمد الرجراجي الرباطي، في كتابه "الشموس المنيرة في أخبار مدينة الصويرة"، أن سبب بناء السلطان محمد بن عبد الله للصويرة، أنه أحب أن يكون له بهذه الجهة مدينة على البحر، لغرض أن تكون ثغرا يقي السفن طوال السنة، وأحاطه بالأسوار والمدافع وشحن حصونه بالمقاتلة.

وقال المؤرخ نفسه، إن "مراكب السلطان كانت ترسو بثغري العدوتين والعرائش، وكانا لا يصلحان لإيواء السفن إلا نحو شهرين في السنة فأمر ببناء مدينة الصويرة".

ويذكر المؤرخون، أن من بين أسباب تأسيس السلطان محمد بن عبد الله للصويرة، هو بناء ميناء شمال حصن أغادير لإضعاف سيطرة المتمردين في سوس بإغلاق ميناء أغادير، وللتمكن من مراقبة تجارة القوافل التي كانت جزيرة الصويرة نقطة وصولها من تمبكتو (مالي حاليا).

في أصول تسمية الصويرة

وتعرف الصويرة باسم "مدينة الرياح"، واختلف في أصل تسميتها إلى اليوم من طرف المؤرخين؛ بين من يقول إن اسمها نقل إليها من اسم قصبة "السويرة" (تصغير السور) القديمة، وبين من يرجعها إلى اسم "الصورة".

يقول المؤرخ أحمد الرجراجي: " لما أريد بناء هذه المدينة جعل لها صورة أي خريطة بشكل بنائها ومثال هيأتها، والعوام بالمغرب يطلقون على تلك الخريطة وشبهها التصويرة أي الصورة، فكانوا أولا ينتظرون التصويرة للبناء، ثم بعد البناء صاروا يقول هذا البناء وافق للتصويرة، ثم حذفوا التاء وصاروا يقول الصويرة".

وتابع المؤرخ نفسه، أن "هناك رواية ثانية تنسب الصويرة إلى السويرة القديمة ببني جرط، حيث بني هناك معم للسكر، وكذلك ذكر صاحب مقدمة الفتح أن ملوك قبائل حاحة أسسوا قلعة الصويرة، ومن ذلك يظهر أن الاسم قديم، وإنما نقل وجعل علما لمدينة الصويرة بعد بنائها، ويكتب لفظ الصويرة بالصاد والسين".

تاريخ فينيقي سابق

ورغم أن تأسيس الصويرة يعود إلى عهد السلطان محمد بن عبد الله، إلا أن تاريخها يعود إلى عهد الفينيقيين الذين بسطوا نفوذهم على البلاد خلال القرن 12 قبل الميلاد لأهداف تجارية بالأساس، ولذلك كان يطلق على المدينة قديما اسم "موغادور"؛ ويعتبره بعض المؤرخين أنه مستقى من الاسم الفينيقي "ميكدول" الذي يعني الحصن الصغير.

وجاء في كتاب "الشموس المنيرة في أخبار مدينة الصويرة"، أن "الصويرة تعرف عند الأوروبيين باسم موغادور، وسبب ذلك أن ضريح سيدي مغدول كان موجودا قبل بناء الصويرة، وكانت المراكب الأجنبية ربما زارت تلك الجهة أو مرت في عرض البحر لوجهة لها، فكان أصحابها يهتدون بالبناء الموجود بضريح سيدي مغدول للوصول إلى تلك الجهة فيقولون مغدول ثم قلبوا اللام راء فصارت موغادور".

وفي عهد جوبا الثاني (الملك الأمازيغي)، نشطت المدينة حيث أقيمت بها صناعة المرجان التي أعجب بها الرومان. وفي عام 1506 ميلادي أنشأ البرتغاليون بها حصنا صغيرا انطلقت منه السيطرة البرتغالية على الطرق البحرية جنوب البلاد سرعان ما تركوه من جراء المقاومة الشديدة من المغاربة.

وفود لعمارة الصويرة

ولعمارة هذه المدينة، جلب السلطان محمد بن عبد الله إلى الصويرة فرقا من بعض قبائل المغرب وأنزلهم بها وعين لكل فرقة عملا مخزنيا (يقصد به شؤون إدارة الدولة) أو تجاريا أو غير ذلك ليستقر الناس بها وتبنى عمارتها على أساس متين.

ومن دوافع تعمير الصويرة، يوجد تفسيران؛ الأول يذهب إلى أن التعمير تم بقوة التهجير، والثاني فيقول إن الازدهار التجاري الذي عرفته المرسى أغرى الوافدين بالهجرة إلى المدينة.

وأوضح المؤرخ، محمد بن سعيد الصديقي، في مُؤلّفِه "إيقاظ السريرة لتاريخ الصويرة"، أنه "بهدف إعمارها، وردت على المدينة وفود من عدة أقطاب؛ ومن الواردين آل أغادير، والشبانات والرحالة والبواخرة واجبالة وأهل أدوار وأهل فاس وغيرهم. الذين جاءوا بعائلاتهم وأغنامهم وخيمهم، فكل طائفة منهم اختارت مكانا وعمّرته".

Advertisements

قد تقرأ أيضا