الارشيف / عرب وعالم

"ابن خلدون".. فيلسوف التاريخ وعبقري علم الاجتماع

محمد الرخا - دبي - السبت 30 مارس 2024 12:11 صباحاً - يعد العالم "ابن خلدون"، أحد أعظم العقول التي أنتجتها الحضارة العربية الإسلامية، إذ لم يبخسه الغرب حقه فأطلق عليه ألقابا عديدة منها " فيلسوف التاريخ".

وإذا كان المفكر الفرنسي الشهير أوجست كونت (1798–1853)، هو رائد علم الاجتماع لأنه أول من نظر إلى المجتمع كوحدة قائمة بذاتها وتحكمها قوانين محددة، فإن "ابن خلدون" سبقه إلى ذلك بأكثر من أربعة قرون.

لكن "ابن خلدون"، لم يستخدم مصطلح علم الاجتماع أو "السوسيولوجيا"، بل استخدم مصطلحا آخر شديد الدلالة هو "علم العمران والاجتماع الإنساني".

وولد عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر محمد بن الحسن، الذي سيخلّد لاحقا في سجلات التاريخ باسم "ابن خلدون"، في تونس عام 1332 للميلاد، لأسرة عربية من أصول يمنية، بحسب الرأي الأرجح لدى المصادر التاريخية.

وهاجرت عائلته من إشبيلية عقب سقوط الأندلس إلى شمال أفريقيا، حيث القرب الجغرافي الشديد.

وأظهر "ابن خلدون" في طفولته، شغفا بالمعرفة ونبوغا لافتا في علوم القرآن والتفسير والأحاديث والفقه واللغة.

حوادث ومناصب

وعاش حياة استثنائية مضطربة لا تعرف الاستقرار وكأن مقولة المتنبي الشهيرة "على قلق كأن الريح تحتي"، تنطبق عليه فنجده يتنقل بين المغرب والجزائر والحجاز والشام ومصر والأندلس ويتبوأ مناصب رفيعة في سياقات متابينة.

ومن أبرز المناصب، منصب القاضي في مصر والسفير والدبلوماسي الذي يعقد الصلح بين الدول ويتفاوض أثناء الأزمات، كما فعل مع القائد التتري الشهير تيمورلنك إبان حصاره لدمشق، حيث ظهرت شجاعته ولباقته السياسية وهو يسعى لإقناعه بألا يدمر العاصمة الجميلة أو يستبيح شعبها.

ومن الحوادث المؤسفة الحزينة في حياته، ما حدث لأسرته التي كانت لا تزال في تونس حيث يبقيها سلطان البلاد أبو العباس الحفصي "طمعا" لعودة "ابن خلدون"، الذي لم يكن ينوي العودة من مصر فطلب من السلطان المصري "برقوق" أن يكتب إلى نظيره التونسي بشأن عودة الأسرة.

ولبى سلطان تونس الطلب بل وأرسل هدية للسلطان المصري عبارة عن مجموعة من أروع الجياد، لكن الرياح لم تأت بما تشتهي السفن.

ويوضح "ابن خلدون" ما حدث قائلا: "فلما قاربوا مرسى الإسكندرية عاقتهم عواصف الرياح عن احتلال السفينة، وغرق معظم ما فيها من الحيوان والبضائع، وهلك أهلي وولدي فيمن هلك، ونفقت تلك الجياد".

ويعتقد البعض أن "مقدمة ابن خلدون" ذات الشهرة العالمية، هي كتاب مستقل إلا أنها "مقدمة" كتاب آخر يحمل عنوانا طويلا هو "العبر في ديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والأمازيغ ومن عاصرهم من ذوي السّلطان الأكبر"، ويتكون من سبعة أجزاء ضخمة وتقع المقدمة بالجزء الأول.

وفي تلك المقدمة، يؤكد أن "العمران البشري والاجتماع الإنساني" يختلف عن علم الخطابة وعن علم السياسة، ولا بد من النظر إليه باعتباره مستقلًّا عن سائر العلوم.

وتكمن عبقرية "ابن خلدون" كذلك، في أنه لم ينظر إلى التاريخ باعتباره مجرد قصص وحكايات ووقائع، بل علماً يجب أن يُدْرس وفق منهجٍ واضحٍ بعيدا عن الأساطير والخرافات، لينتهي به الأمر إلى أن يؤسس لنوع من "الفلسفة الاجتماعية" يتضمنها "علم العمران البشري" الذي يصفه بأنّه "مستحدث الصنعة، غريب النزعة، غزير الفائدة".

ويتجلى ذلك في استخلاصه الشهير لأسباب هزيمة الأمم ثقافيا وانهيار نشوء الحضارات على مر التاريخ.

ويوضح "ابن خلدون" فلسفته في قراءة التاريخ بقوله، إن علم العمران البشري ينطوي على فوائد جسام منها أنه "يبرز الحق من الباطل فيما تناقلته الألسن عن الأحداث التاريخية".

ويذهب المؤرخ البريطاني الشهير أرنولد توينبي في كتابه "دراسة التاريخ"، إلى أن "ابن خلدون"، "قدم فلسفة للتاريخ تعتبر من دون شك من أعظم ما أنتجت عبقرية لم يكن لها مثيل في أي مكان أو زمان".

وعاش "ابن خلدون"، سنواته الأخيرة معتزلا الناس، متفرغا للبحث والكتابة، زاهدا في مغريات الحياة حتى توفي عام 1405 للميلاد، بينما تذهب روايات أخرى إلى أن الوفاة وقعت بعد ذلك بعام.

Advertisements